التصلب الجانبي الضموري … المرض المجهول!

الدكتورة إيمان حجاج
طبيبة اختصاصية في أمراض الجهاز العصبي
 -أكادير- المغرب
imanehajjaj@yahoo.fr

لعل الشخصية البارزة التي جعلت المرض يعرف أكثر عند العامة في السنوات الأخيرة هو الفيزيائي ستيفن هوكينغ، الذي كان مصابا بهذا المرض.  بالإضافة إلى “تحدي دلو الماء المثلج” ، الذي غمر وسائل التواصل الاجتماعي عام 2014 ، و الذي كان يهدف إلى التعريف بالمرض و الحث على التبرع للبحث الطبي.

 ما هو هذا المرض؟ و لماذا يضل مجهولا ؟

التصلب الجانبي الضموري هو مرض تنكسي للجهاز العصبي، أي أن الخلايا العصبية تفقد وظيفتها ثم تتدمر تدريجياً.

  إسم المرض يختلف حسب البلدان: ففي بريطانيا يسمى “مرض العصبون الحركي”، و في الولايات المتحدة الأمريكية يسمى “لو جيرج” نسبة إلى لاعب كرة القاعدة/البايسبول الشهير الذي أصيب بهذا المرض، و في فرنسا يطلق إسم “مرض شاركو” نسبة إلى إسم الطبيب الذي قام بوصف المرض لأول مرة.

ما سبب المرض و كم يبلغ عدد المصابين به؟

المرض يصيب الخلايا العصبية الحركية المركزية التي تمتد من قشرة الدماغ نحو النخاع الشوكي مروراً بجذع الدماغ،  لتتصل بعدها بالخلايا العصبية الحركية الخارجية التي تقوم بتحريك العضلات. 

تبدأ آليات موت الخلايا تدريجيا ، لسبب غير معروف ، في وقت مبكر جدًا وبسرعة كبيرة مقارنة بالشيخوخة الطبيعية لبقية الجسم.

و قد لوحظ أن الفئة العمرية الأكثر إصابة هم الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و 70 سنة، كما أن الرجال أكثر عرضة بقليل مقارنة بالنساء.

 هناك ما يقرب من 120.000 حالة إصابة بمرض التصلب الجانبي الضموري يتم تشخيصها سنويًا في جميع أنحاء العالم ، أي حوالي 328 حالة جديدة كل يوم. 

تتميز بعض مناطق العالم بزيادة معدل الإصابة، و قد لوحظ ذلك بشكل خاص في بعض جزر غينيا الجديدة واليابان، حيث يصل معدل الإصابة إلى مائة مرة أكثر مما هو عليه الحال في الدول الأوروبية.

هل التصلب الجانبي الضموري مرض وراثي؟

في معظم الحالات، تكون الإصابة منعزلة، أي أن فرداً واحداً يصاب بالمرض في العائلة. ومع ذلك ، نجد أن 5 إلى 10 في المائة من الحالات ، يكون مرض التصلب الجانبي الضموري “عائليًا” (أي أنه يصيب عدة أفراد من نفس العائلة). 

غالبًا ما تظهر الحالات العائلية مبكرًا (قبل سن الخمسين) ويكون تطورها أسرع بشكل عام. و من المعروف أن 10 إلى 20 في المائة من الحالات العائلية لمرض التصلب الجانبي الضموري ناتجة عن خلل (طفرة) في جين يسمى “س.أ.د 1”. 

أما بالنسبة لـلفئة المتبقية من الحالات العائلية فهناك جينات أخرى مسؤولة ولكن لم يتم تحديدها بوضوح بعد. و نذكر أن هذا المرض ليس مرضاً مُعدياً.

ما هي علامات المرض؟

كل العضلات التي تحرك الجسم يمكن أن تصاب بالمرض ، خاصة عضلات الذراعين والساقين والعضلات المسؤولة عن الكلام والبلع والتنفس.

 و مهما كان شكل المرض، لا تضعف الوظائف الحسية ( مثل القدرة على التذوق ، والرؤية ، والشم ، والسمع ، واللمس) والوظائف الجنسية والبولية والوظائف الفكرية للمريض.

 عمومًا، التصلب الجانبي الضموري لا يسبب ألماً جسدياً، بالرغم من أن بعض المرضى قد يشتكون من آلام العضلات أو المفاصل.

يبدأ المرض بأعراض بسيطة قد لا يعيرها المريض اهتماما، ثم تتطور و تتفاقم تدريجياً. يحس المريض بالضعف في جزء بإحدى الأطراف، مصاحباً بارتعاش خفيف لا إرادي  لبعض العضلات. 

مع مرور الوقت، يجد المريض صعوبة في تنسيق الحركات، و المسك بالأشياء، صعوبة في المشي مع اضطراب في التوازن و التعرض للسقوط المتكرر.

 و كذلك الإحساس بعياء عام و هزال نتيجة لضمور العضلات، فيبدو المريض نحيلا. كما تظهر صعوبة في البلع و المضغ و تحريك اللسان و الوجه (حتى بلع اللعاب يصبح مشكلة)، و اضطراب في الكلام (صعوبة في النطق و تغيرات في الصوت)، و صعوبة في التنفس نتيجة إصابة العضلات المسؤولة عن الجهاز التنفسي. تظهر أعراض أخرى مثل الإمساك وفقدان الوزن الشديد و اضطرابات الدورة الدموية بسبب قلة الحركة واضطرابات النوم. بالرغم من تفاقم الأعراض، فلا يصاب المريض بالخرف أو بخلل في قدراته الفكرية

كيف يتم تشخيص التصلب الجانبي الضموري؟

عندما تظهر علامات المرض من الأفضل أن يزور المريض طبيبا ً اختصاصياً في طب الأعصاب، هذا الأخير سيقوم بطرح أسئلة عديدة حول: ماهية الأعراض، تاريخ بدايتها، كيفية تطورها، هل هناك حالات عائلية، هل هناك علامات إصابة أعضاء أخرى غير الجهاز العصبي. 

بعدها يقوم بفحص سريري للمريض، حيث يدرس قواه العضلية و حجم عضلاته و قدرته على المشي و التحكم في توازنه، دراسة ردود فعله الوترية العظمية، دراسة الحساسية و حركية العينين، القيام بطرح أسئلة بسيطة للكشف عن مداركه المعرفية.

بعد نهاية استجواب المريض و فحصه السريري، يتأكد الطبيب أن الأعراض التي يعاني منها المريض هي فعلا نتيجة لإصابة الجهاز العصبي و ليس لأعضاء أخرى.

 غير أن الأمر ليس دائما سهلا، خاصة عندما يكون المرض في بدايته، أو عندما تكون الأعراض قليلة، أو عندما تكون الأعراض مشتركة بين عدة أجهزة (مثلا، عندما يشكو المريض من اضطراب في البلع، فقد يكون السبب موضعيا في الحلق أو المريء…). 

عندما يشتبه الطبيب في مرض التصلب الجانبي الضموري فهو يقوم بتأكيد فرضيته بإجراء التخطيط الكهربائي للعضلات و الأعصاب على مستوى الأطراف، حيث يؤكد التخطيط أن العضلات سليمة و أن الأعصاب الحركية لا تعمل جيدا و ضعيفة.

 في أحيان أخرى، قد يلجأ الطبيب إلى طلب التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ و النخاع الشوكي، خاصة لإستبعاد أمراض أخرى قد تشبه أعراضها أعراضَ التصلب الجانبي الضموري. كما قد يقوم بإجراء فحوصات للدم و دراسة للسائل النخاعي للتأكد من عدم وجود أمراض أخرى.

كيف يتطور المرض؟

التصلب الجانبي الضموري هو مرض تنكسي للجهاز العصبي، يعني أن عملية تدمير الخلايا العصبية لا مفر منها و تستمر طيلة المرض. 

فسرعان ما يصاب المريض بإعاقة حركية و يقِل بشكل كبير متوسط العمر المتوقع. و لكن من المستحيل التنبؤ بمدة استمرار المرض، إذ يختلف تطور المرض من شخص لآخر.

 حسب الإحصائيات، يبلغ متوسط ​​العمر المتوقع للشخص المصاب ما بين 3 إلى 5 سنوات بعد التشخيص. ومع ذلك ، مع تحسن الرعاية الطبية، يعيش 20 في المائة من المصابين خمس سنوات أو أكثر بعد التشخيص ، ويعيش 10 في المائة أكثر من عشر سنوات أو أكثر. 

هناك أيضًا أشكال خفيفة من المرض تظل مستقرة لأكثر من 30 عامًا ، لكنها نادرة. صعوبة التنفس بسبب شلل عضلات الجهاز التنفسي والتهابات الجهاز التنفسي (نتيجة اضطرابات البلع التي تؤدي إلى مرور الطعام نحو الرئتين) هي الأسباب الرئيسية للوفاة.

ما هو علاج التصلب الجانبي الضموري؟

لم يتوصل البحث العلمي إلى علاج شافٍ لهذا المرض. يوجد حالياً دواء واحد إسمه ريلوزول ، يساعد على إبطاء تطور المرض.

 هناك تدابير غير دوائية تخفف من وطأة المرض، مثل: جلسات العلاج الفيزيائي الضرورية للحفاظ على مرونة العضلات، استشارة اختصاصي تغذية لوضع نظام غذائي يتناسب مع الاحتياجات الغذائية للمريض (الذي يعاني غالبا من الهزال) و ربما دمج بعض المكملات الغذائية، في الحالات المتقدمة من المرض قد يتم إقتراح فغر المعدة بالمنظار عبر الجلد (وهو إجراء طبي تنظيري يتم فيه تمرير أنبوب إلى معدة المريض عبر جدار البطن) ويُمكن للمريض أن يتناول طعامه عن طريق ذلك الأنبوب المتجه مباشرة نحو المعدة..

 أيضا، هناك جلسات العلاج الطبيعي التنفسي التي تهدف إلى “تفريغ” إفرازات الشعب الهوائية الرئوية (تفادياً للإلتهابات و التعفنات الرئوية). 

حسب درجة إصابة عضلات الجهاز التنفسي، قد يحتاج المريض إلى وضع أنبوب أمام الأنف ليمده بالأوكسجين، و في الحالات المتفاقمة قد يتم اللجوء إلى وضع ثقب على مستوى القصبة الهوائية.

 كما يجب مراعاة الجانب النفسي للمريض و مده بالدعم النفسي. يمكن اللجوء إلى علاج الأعراض الرئيسية المرتبطة بمرض التصلب الجانبي الضموري ( مثل: التشنجات ، والإمساك ، واضطرابات النوم ، والاكتئاب ، وما إلى ذلك) بالأدوية.في المرحلة النهائية من المرض ، يتم توفير ما يسمى بالرعاية التلطيفية، الهدف منها هو تقديم أفضل نوعية حياة ممكنة للمرضى ودعمهم في نهاية حياتهم، و هي علاجات ورعاية جسدية ونفسية داعمة يتم تقديمها في مؤسسة تتوفر على هذا النوع من الرعاية أو في المنزل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.